في عصر الرقمية، توقف الأسلوب عن كونه منطقة خاصة. فقد تحول إلى منصة مفتوحة حيث يتدفق بلا نهاية من الصيحات التي تمنح الشخص أدوارًا جاهزة سريعة، آمنة، ومعتمدة من الخوارزميات. هذا يحرر الفرد من الحاجة للبحث عن إجاباته الخاصة، لكنه في الوقت نفسه يحرمنا من التنوع. الفضاء الحضري يمتلئ بمظاهر متشابهة كأن الجميع يستخدمون نفس لوحة الإلهام. كثير من الناس لم يعودوا يفهمون ما يحبونه فعلاً، لأن عادة الاختباء خلف الصلة بالموضة تطرد الذوق الحدسي. الحداثة تتطلب شرحًا مستمرًا للقرارات: لماذا بهذا الشكل، لماذا ليس بطريقة أخرى، لماذا ليس وفق القواعد.
لكن الأسلوب الشخصي، وبصراحة، ليس مجرد ملابس. إنه أوسع من الموضة، وأوسع من خزانة الملابس. إنه طريقة الوجود في العالم من خلال الحركات، واللغة، والروائح، والأشياء الصغيرة التي تخلق القابلية للتعرف عليه. إنه خوارزمية داخلية تدوم أطول من أي صيحة. وعندما تتطابق قطعة ما حقًا مع الهوية الداخلية للفرد، يظهر تأثير خاص من التعرف. لذلك يمكن للصورة الخارجية أن تغير السلوك: الملابس تصبح علامة لدور يتعرف عليه الدماغ ويعيد إنتاجه. وقد أثبتت الدراسات النفسية هذا التفاعل منذ زمن بعيد. فالملابس تعمل كرمز اجتماعي وفي نفس الوقت كسيناريو سلوكي.
يظهر هذا الآلية أيضًا في مجال الفخامة. السعر المرتفع لقطع المصممين نادرًا ما يرتبط فقط بالمواد أو التنفيذ الفني. وظيفته الحقيقية هي بناء وزن عاطفي حول الشيء. يبدأ الشخص بمعاملة القطعة بعناية أكثر وانتباه أكبر، ويجدها أكثر قيمة. تصبح التكلفة ليست فقط أداة اقتصادية بل ونفسية أيضًا. الأمر لا يتعلق بعرض المشتريات للآخرين، بل بالإحساس الداخلي بالأهمية التي تخلقها.
وفي الوقت نفسه، تؤدي الصيحات وظيفة اجتماعية. فهي تساعد على التزامن، والإحساس بالانتماء للزمن ولمجموعة. الصيحات ليست تصنيفًا أخلاقيًا. ليست جيدة ولا سيئة. إنها وسيلة لدعم التواصل عبر المظهر. لكنها في الوقت ذاته لا تنتمي أبدًا لشخص معين. تظهر لأن شخصًا ذا ظهور واسع اعترف بأن شيئًا ما رائع، وهذا الصدى ينتشر بسرعة. لهذا غالبًا ما نشتري ما لم نختاره بأنفسنا، نحن فقط نعلم أن الآخرين يحبونه. بهذه الطريقة تصبح القطع قديمة بسرعة: لأنها لم تكن قرارًا عميقًا بل مجرد عملة اجتماعية.
مشكلة الصيحات قصيرة العمر ليست فقط في قصر مدتها. إنها تحد من الفردية. أن تكون على الموضة أسهل بكثير من أن تشكل نفسك. لذلك بيئة المراهقين هي الأكثر تأثرًا بالصيحات، فالتكامل الاجتماعي فيها أكثر أهمية من الاستقلالية. مع ذلك، يكاد الأسلوب الشخصي دائمًا أن يكون خارج الصيحات. الأشخاص ذوو الهوية الواضحة يتغيرون ببطء وبشكل عضوي، محافظين على مسارهم البصري الخاص لسنوات. ليس لأنهم متحجرون، ولكن لأن قراراتهم تتشكل من الداخل، لا من الخارج.
الأسلوب الشخصي لم يكن يومًا زيًا موحدًا. ليس حول مجموعة قواعد صارمة ولا حتى عن القابلية للتعرف عليه. هو، أولًا وأخيرًا، عن اختيار ذوقك الخاص بدلًا من الصيحات القصيرة الأمد والنسخ المستمر للصور من الإنترنت. لكن من المهم الاعتراف بالأمر الواضح: التفرد غير موجود. في العالم الحديث المبني على المحاكاة، لا يمكن أن يكون هناك أسلوب جديد تمامًا. ثقافة الاستهلاك قد حولت البصرية إلى سطح حيث معظم الاتجاهات هي إشارات مبالغ فيها لعصور مضت، ملابس تحمل إشارات رمزية، اقتباسات، أشباح ذات دلالات. في هذا الجو، الشيء الوحيد المهم حقًا ليس الأصالة المخترعة بل العضوية. ذلك التطابق الخفي بين الشيء والشخص الذي لا يمكن تقليده.
لهذا لا توجد صيغة موضوعية لـخزانة أنيقة. الشيء بحد ذاته لا يعني الكثير، المهم هو كيف يبدو تحديدًا على شخص معين.
لكل شخص في ذاكرته صورة لشخص ما: يرتدي وكأنه قد خُلِق في خزانة ملابسه، يبدو طبيعيًا ليس لأنه يرتدي شيئًا استثنائيًا، بل لأن ملابسه تندمج فيه، تعزز شخصيته. الأمر ليس حول إطلالة واحدة، ولا عن زيك الخاص، ولا عن أسلوب واحد طوال سنوات طويلة.
بل هو حول طيف معين من القرارات التي تتناغم مع الشخص على مستوى عميق، وعن القدرة على الشعور بهذا التناغم.
من شعر بهذا الطيف، نادرًا ما يطارد إطلاقات جديدة أو مجموعات صاخبة. يشترون قليلًا لكن بدقة، تقريبًا بحدس. قد لا يتبعون الموضة لكنهم دائمًا يبدون في مكانهم. أسلوبهم مبني ليس على الصيحات بل على رؤيتهم الخاصة؛ الأشياء لا تهيمن بل تكمل. ليس الأمر استقرارًا، بل اهتمامًا بالنفس. ولبلوغ هذه الحالة، لا يكفي التمرير على بينترست أو مقارنة نفسك بصور الآخرين على الإنترنت. يجب التجربة. التجريب بأشكال غير مألوفة. التخلي عن الملابس التي لم تعد ت resonate . شراء ما لم ترتديه من قبل. ارتكاب الأخطاء. العودة. بناء قاموس بصري خاص، تمامًا كما يشكل الفنانون والمعماريون أسلوبهم عبر السنوات بالتجارب والخطوط الخاطئة.
لأنه لا توجد قواعد يمكن أن تحدد ما يناسب شخصًا معينًا. ولا حاجة لأن ترتدي بطريقة صاخبة أو استفزازية أو فريدة. المهم فقط أن تتناسب القطع مع مسارك الداخلي، وأن تكون مريحة وطبيعية. هذه العضوية، ليست الشكل ولا المفهوم، بل الإحساس، هي أساس الأسلوب الشخصي في عصر أصبح فيه كل شيء آخر محاكاة منذ زمن طويل.
الأسلوب لا يغير العالم ولا يجعلنا فريدين. هو ببساطة يسمح لنا بأن نكون أنفسنا في بيئة يُنسخ فيها كل شيء بلا نهاية. في زمن تتغير فيه الصيحات أسرع من مشاعرنا، أكثر التعبيرات جرأةً ليست الابتكار بل الصدق. الصدق مع النفس، مع الجسد، مع الذوق. كل شيء آخر مجرد ضوضاء تمر. فقط ما يتماشى مع طبيعتنا يبقى. الأسلوب الشخصي ليس عن الانفصال عن الآخرين بل عن القدرة على سماع النفس داخل جوقة الجماعة من المراجع. وربما هذا التعرف الهادئ هو الشكل الوحيد للفردية الحقيقية التي ما زالت ذات معنى اليوم.